منتديات مدرستي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتـــديات مدرستي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 عائد الى حيفا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
قمر الزمان
مشرف على المنتدى
مشرف على المنتدى
قمر الزمان


عدد الرسائل : 289
العمر : 30
تاريخ التسجيل : 30/08/2008

عائد الى حيفا Empty
مُساهمةموضوع: عائد الى حيفا   عائد الى حيفا I_icon_minitimeالجمعة نوفمبر 07, 2008 10:26 am

غسان كنفاني

عائد إلى حيفا


حين وصل "سعيد س." إلى مشارف حيفا ، قادما إليها بسيارته عن طريق القدس ، أحس أن شيئا ما ربط لسانه ، فالتزم الصمت ، وشعر بالأسى يتسلقه من الداخل .وللحظة واحدة راودته فكرة أن يرجع ، ودون أن ينظر إليها كان يعرف أنها آخذة بالبكاء الصامت ، وفجأة جاء صوت البحر، تماما كما كان . كلا ،لم تعد إليه الذاكرة شيئا فشيئا . بل انهالت في داخل رأسه ، كما يتساقط جدار من الحجارة ويتراكم بعضه فوق بعض. لقد جاءت الأمور والأحداث فجأة ، وأخذت تتساقط فوق بعضها وتملأ جسده . وقال لنفسه أن " صفية " زوجته ، تحس الشيء ذاته ، وأنها لذلك تبكي.
منذ أن غادر رام الله في الصباح لم يكف عن الكلام ، ولا هي كفت ، كانت الحقول تتسرب تحت نظرة عبر زجاج سيارته ، وكان الحر لا يطاق ، فقد أحس بجبهته تلتهب ، تماما كما الإسفلت يشتعل تحت عجلات سيارته ، وفوقه كانت الشمس ، شمس حزيران الرهيب ، تصب قار غضبها على الأرض
طوال الطريق كان يتكلم ويتكلم ويتكلم ، تحدث إلى زوجته عن كل شيء ، عن الحرب وعن الهزيمة وعن بوابة مندلبوم التي هدمتها الجرارات . وعن العدو الذي وصل إلى النهر والقناة ومشارف دمشق خلال ساعات . وعن وقف إطلاق النار والراديو ونهب الجنود للأشياء والأثاث ، ومنع التجول ، وابن العم الذي في الكويت يأكله القلق ، والجار الذي لم أغراضه وهرب ، والجنود الثلاثة الذين قاتلوا وحدهم يومين على تله تقع قرب مستشفى أوغستا فكتوريا ، والرجال الذين خلعوا بزاتهم وقاتلوا في شوارع القدس، والفلاح الذي أعدموه لحظة رأوه قرب أكبر فنادق رام الله . وتحدثت زوجته عن أمور كثيرة أخرى ، طوال الطريق لم يكفا عن الحديث. والآن ، حين وصلا إلى مدخل حيفا ، صمتا معا ، واكتشفا في تلك اللحظة أنهما لم يتحدثا حرفا واحدا عن الأمر الذي جاءا من أجله !

هذه هي حيفا إذن ، بعد عشرين سنة .

ظهر يوم الثلاثين من حزيران ، 1967 ، كانت سيارة " الفيات " الرماية التي تحمل رقما اردنيا أبيض تشق طريقها نحو الشمال ، عبر المرج الذي كان اسمه مرج بن عامر قبل عشرين سنة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عائد الى حيفا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات مدرستي :: ( المنتدى الأدبي ) :: المنتدى الإبداعي-
انتقل الى: